الأوضاع القائمة على الأرض وتحليلات المعنيين والمهتمين ومراكز البحوث ومواقف الدول الإقليمية والدول المشاركة في الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ومواقف الدول الصديقة للنظام والتي تدعمه وتقاتل إلى جانبه .. كلها لا توحي بإمكان حل قريب للمسألة السورية. الدول الإقليمية، باستثناء إسرائيل، والدول الكبرى اختارت كل منها طرفاً من الأطراف المتنازعة، على أنه يمثل السوريين، ما جعل غالبية الشعب السوري خارج حسابات هذه الدول. وهذه أولى العقبات التي تعترض الحل السياسي الراسخ وإمكانات التحول الديمقراطي وأهمها.
ومع ذلك لا بد من العمل في سبيل حل سياسي كأنه سيحصل غداً، مع أخذ هذه المسألة الأخيرة في الحسبان، وملاحظة أن الحل السياسي سيكون عسيراً ومتعثراً، في ظل التوتر والاستقطاب الحادين، وتنامي الهواجس والمخاوف لدى معظم الفئات الاجتماعية وارتفاع منسوب مطالبها إلى الحد الأقصى. لذلك لا بد أن تكون مراحل الحل السياسي وإجراءاته واضحة وشفافة وقابلة للمناقشة والتداول في الفضاء الاجتماعي العام. ما يقتضي حرية الإعلام وتدفق المعلومات وسهولة الحصول عليها، واجتراح آليات مناسبة للتواصل والنقاش العام.
يبدو الخيار الأول من الخيارات الثلاثة، التي يقترحها معهد كارتر والمركز النروجي لموارد بناء السلام، بالتعاون مع مجموعة من المثقفين والنشطاء السوريين، أي خطة انتقال السلطة، إلى "هيئة حكم انتقالي ذات سلطات تنفيذية كاملة"، حسب بيان جنيف 2012، غير قابل للتحقيق، في ضوء نسبة القوى في الوقت الحاضر، وفي المدى المنظور. وكذلك الخيار الثالث (العودة إلى دستور 1950) ومن ثم، فإن الخيار الثاني، القاضي"بأن يدرس الفرقاء السوريون وضع دستورحكم مؤقت في المرحلة الانتقالية. ويمكن أن يتكون هذا الدستور من مجموعة مبادئ وآليات حكم متوافق عليها ..."، هو المرجح، وهو ما تتداوله أوساط واسعة من مختلف الفئات الاجتماعية والسياسية والفعاليات الثقافية، ويحتاج تحقيقه، حسب ما نرى، إلى خطوات عملية، منها:
1 - التوافق على عقد مؤتمر وطني، في دمشق، برعاية الأمم المتحدة والجامعة العربية، يشارك فيه مندوبون عن الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، ومندوب عن الجامعة العربية، بصفة مراقبين وضامنين لتنفيذ قراراته والحيلولة دون استغلال السلطة من قبل أي طرف.
2 - تشكيل لجنة تحضيرية، بإشراف ممثل الأمين العام للأمم المتحدة وممثل الأمين العام للجامعة العربية، تتمثل فيها السلطة والمعارضة بالتساوي، ويكون نصف أعضائها من المستقلين وهيئات المجتمع المدني، بما في ذلك المرجعيات الدينية لمختلف المذاهب، وتمثل فيها النساء والشباب تمثيلاً مناسباً. على أن تضم عدداً من القضاة والمحامين المشهود لهم بالنزاهة، وخبراء في السياسة والاقتصاد والقانون الدستوري والقانون الدولي، وأكاديميين وباحثين في الفلسفة المدنية والاجتماع السياسي. تقوم هذه اللجنة بوضع جملة من المبادئ الدستورية أو التعاقدية العامة وآليات بناء الثقة، وآليات الحكم، تتقدّم بها إلى المؤتمر الوطني على أنها جدول أعماله المقترح، وتشمل:
أولاً: إجراءات بناء الثقة والإجراءات العملية:
آ – تحدّد اللجنة التحضيرية، بالتعاون مع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة والجامعة العربية، عدد أعضاء المؤتمر وفق معايير متفق عليها، كالكفاءة العلمية والخبرة والنزاهة، تسمح بتمثيل جميع القوى والفئات الاجتماعية والجماعات الإثنية تمثيلاً صحيحاً.
ب - تحصل على تعهد الأطراف المشاركة في الحرب بوقف جميع الإعمال القتالية، قبل شهر من انعقاد المؤتمر على الأقل، وتسهيل وصول أعضاء المؤتمر إلى مكان انعقاده، بمن فيهم المقيمون في الخارج.
ج - تحصل على تعهد جميع الأطراف بقبول نتائج المؤتمر، بضمانة الأمم المتحدة والجامعة العربية، ولا سيما الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. ويودع التعهدان (ب و ج) لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة والأمانة العامة للجامعة العربية.
د – تحدّد موعد المؤتمر وتدعو أعضاءه والأعضاء المراقبين وتبلّغهم جدول الأعمال، قبل مدة كافية من موعد انعقاده.
ه - تضع اللجنة التحضيرية جملة من المبادئ التعاقدية تحظى بإجماع أعضائها، أو بتوافق ثلاثة أرباعهم على الأقل، وتتقدم بها إلى المؤتمر على أنها الجزء الرئيس من جدول أعماله.
ثانياً، المبادئ التعاقدية:
آ – الحريات المدنية والسياسية مضمونة لجميع الأفراد والجماعات ومنظمات المجتمع المدني، وفي مقدمها حرية الفكر والتعبير وحرية الرأي والضمير، وحرية الاعتقاد والعبادة وممارسة الشعائر الدينية. واحترام خصوصيات الأفراد والجماعات وأماكن السكن والعمل ودور العلم والعبادة.
ب – تساوي الأفراد إناثاً وذكوراً، ومواطنات ومواطنين، في الحقوق المدنية والسياسية، والمسؤوليات والالتزامات القانونية، وحماية الطفولة والأمومة.
ج – العدالة الاجتماعية، بما تعنيه من اعتراف متبادل بالكرامة الإنسانية والحقوق المدنية والسياسية، وشروط اجتماعية اقتصادية وسياسية مناسبة لتمكين المواطنات والمواطنين من التمتّع بها، وتوزيع عادل للموارد الوطنية، الثقافية والاقتصادية والمالية والخدمات الاجتماعية، ولا سيما الصحة والتعليم والعمل والموصلات والاتصالات. فالعدالة اعتراف متبادل، وتمكين متبادل، وتكافؤ في الفرص، وتوزيع عادل، وحريات متساوية، وحقوق متساوية، وإنصاف، وهي مبدأ المواطنة وغايتها، ومناط الفضائل المدنية والحياة الإنسانية.
د – الإقرار المبدئي والنهائي بأنّ سورية تتألف من جماعات إثنية أو "قوميات": عربية وكوردية وآثورية وتركية وتركمانية وأرمنية وشركسية ... تدين بالديانات الإسلامية، والمسيحية واليهودية المختلفة، وكلها متكافئة ومتساوية في الكرامة الإنسانية والحقوق. (يجب ذكرها جميعاً على نحو ما تسمي كل منها نفسها)، وأن نظامها السياسي ديمقراطي برلماني تعدّدي.
د –وحدة الشعب السوري والتراب السوري في إطار اللامركزية الإدارية. (يظل اسم الدولة، الجمهورية العربية السورية، وعلمها ونشيدها، على حالها حتى تبت فيها جمعية تأسيسية منتخبة، بعد المرحلة الانتقالية).
ه – منطقة حكم ذاتي للأكراد السوريين تتسق قوانينها وتشريعاتها مع الدستور السوري وتتسق مؤسساتها وسلطاتها المنتخبة مع مؤسسات الدولة المركزية وسلطتها الوطنية العامة.
و – مجالس محلية منتخبة ذات صلاحيات تشريعية وتنفيذية وقضائية تتسق مع الدستور السوري والسلطة المركزية ومؤسساتها، رئيس كلّ منها هو المحافظ، وتشرف السلطات المحلية على انتخاب رؤساء الدوائر الحكومية من أبناء المحافظة والمقيمين فيها.
ز – للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني أولوية على القوانين الوطنية، ولهذه أولوية على القوانين والتشريعات المحلية.
ي– مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله، ومناهضة العنصرية، بجميع أشكالها، وتجريم التحريض عليهما.
ك– احترام مصالح الدول الأجنبية التي لها علاقات اقتصادية وثقافية وعسكرية مع سوريا، بما يحفظ المصلحة الوطنية وسيادة الدولة، واحترام العهود والمواثيق الدولية والمعاهدات والاتفاقات البينية.
ثالثاً، إجراءات المرحلة الانتقالية:
آ – يعلق دستور 2012، ويُعمل في هدي المبادئ العامة وآليات الحكم، التي يقرها المؤتمر. وتعلّق جميع المراسيم والقوانين التي تتعارض مع هذه المبادئ والآليات، ريثما تنظر فيها هيئة تشريعية منتخبة، بعد المرحلة الانتقالية.
ب –يمارس رئيس الجمهورية، بشار الأسد، مهام رئاسة الجمهورية في المرحلة الانتقالية وفقاً للمبادئ التي يقرّها المؤتمر الوطني.
ج– يحلّ رئيس الجمهورية مجلس الشعب، ويعتبر المؤتمر الوطني هو البرلمان السوري المؤقت في المرحلة الانتقالية.
د – تؤلّف حكومة خبراء (تكنوقراط)، يختار المؤتمر الوطني أعضاءها من غير المنتمين إلى أي حزب سياسي أو جماعة سياسية. أو حكومة وحدة وطنية تشاركية، (والأفضلية للأولى) تدير المرحلة الانتقالية، وتحافظ على مؤسسات الدولة. على ألا يكون أعضاؤها أعضاء في المؤتمر، وألا يترشحوا في الانتخابات التشريعية في نهاية المرحلة الانتقالية. وللمؤتمر الذي يمنحها الثقة حق حجب الثقة عنها أو عن عضو أو أكثر من أعضائها. وتباشر الحكومة المؤقتة عمليات إعادة النازحين والمهجرين إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم، وإعادة الإعمار والترميم والتأهيل، وفق الأولويات، كالسكن والماء والكهرباء والمحروقات والصحة والتعليم .. تدعم الحكومةَ، وتراقب أعمالها عن كثب، هيئة وطنية تشاركية للمصالحة الوطنية، ينتخبها المؤتمر من بين أعضائه.
ه – يعاد النظر في تشكيل مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الدستورية، بما يضمن استقلال القضاء استقلالاً تاماً عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.
و– تعيّن الحكومة لجنة عليا للانتخابات، تكلّف بوضع قانون انتخاب جديد، على أساس الدوائر الصغرى والانتخاب الفردي (لكل مواطنة أو مواطن صوت واحد لمرشحة أو مرشح واحد)، ريثما تتوافر شروط مناسبة لانتخابات حزبية ونسبية، ويأخذ قانون الانتخاب في حسبانه تطوّر التعليم في سورية، فيرفع الحد الأدنى للسوية التعليمية للمرشحات والمرشحين، ويخفض سن الانتخاب، لإتاحة الفرصة لمشاركة الشابات والشباب.وتهيئ الوزارة لعقد الانتخابات، التي يجب أن تجري قبل ثلاثة أشهر على الأقل من نهاية المرحلة الانتقالية، ويقر نتائجها مجلس القضاء الأعلى وأعضاء المحكمة الدستورية مجتمعين.
ز – يقرّر البرلمان المنتخب إجراءات العدالة الانتقالية وتباشرها الحكومة الجديدة، بعد انقضاء المرحلة الانتقالية.
ح – إخراج جميع التنظيمات غير السورية وميليشياتها وجميع المقاتلين غير السوريين من البلاد، وقصر نشاط المنظمات الفلسطينية على السياسة المدنية والنشاط الثقافي، ونزع سلاح ميليشياتها وإغلاق معسكراتها. وتشكيل لجان أمنية مشتركة للإشراف على المعابر الحدودية والمطارات والموانئ.
ط – ترشيد الإعلام بتوسعة المجلس الوطني للإعلام، وضم كوادر إعلامية وثقافية من المعارضة السلمية إلى نصابه، وتكليفه رسم السياسة الإعلامية، بما يخدم المصالحة الوطنية.
ي – إطلاق حرية العمل الحزبي المدني والسلمي، وحرية تشكيل منظمات مدنية غير سياسية، وضمان حق التظاهر والاعتصام السلميين وحق الإضراب.
رابعاً، هيكلة الجيش وقوى الأمن:
آ – تحتفظ القوى المسلحة بمواقعها وأسلحتها، ريثما تتم إجراءات هيكلة الجيش وقوى الأمن، بتوافق الأطراف المعنية، على ألا تتدخل هذه القوى في الشؤون المدنية، وألا تعترض عمل مؤسسات الدولة.
ب – تشرف قوة مراقبة دولية وعربية على وقف القتال، بطلب من المؤتمر الوطني.
ج – تتشكل لجنة مشتركة من ضباط الجيش والأمن الداخلي وضباط من الجيش وقوى الأمن ممن انشقوا عن النظام، مناصفة، تجتمع في مقر الجامعة العربية أو في أحد مقرات الأمم المتحدة في دولة محايدة، لحفظ سلامة أعضائها وحرية حركتهم واتصالاتهم.تقوم هذه اللجنة بإعادة هيكلة الجيش وقوى الأمن، وتضع خطة لدمج العناصر السورية المقاتلة في الجيش وقوى الأمن، وفق معايير تتفق عليها. تتبنى لجنة الدفاع والأمن في المجلس الوطني قراراتها ويصدّقها رئيس الجمهورية، ثم تباشر بجمع الأسلحة من الكتائب المقاتلة.
د– يصدر رئيس الجمهورية قراراً بالعفو العام عن جميع المنشقين / والفارين من الجيش، وعن المتخلفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية.
ه– تشكل اللجنة من أعضائها وغير أعضائها مجلساً عسكرياً مشتركاً وهيئة أركان عامة، ويصدّق رئيس الجمهورية قراراتها، بصفته القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة.
و– تعود القطعات العسكرية إلى ثكناتها، وتتولى الشرطة مهمات الحفاظ على الأمن.
ز – يطلق سراح المعتقلين والموقوفين، ويسلّم غير السوريين منهم إلى دولهم، ويقدم المتهمون منهم بارتكاب جرائم إلى القضاء المدني العادي، ويجري التحقق من المفقودين وإعلام ذويهم وإدراجهم في إجراءات العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية. ليس من الضروري أن تقترن العدالة الانتقالية بالمرحلة الانتقالية، إذ لا بد أن تقوم بها سلطة عامة منتخبة انتخاباً صحيحاً، في مناخ من الأمن والاستقرار.
أخيراً، لا بد أن تعمل مؤسسات الدولة وأجهزتها وفق مبادئ: رأب الصدوع والاحترام والمشاركة والشفافية والمحاسبة والحرية والعدالة والمساواة بين الإناث والذكور، ومبدأ التغيير، لأن المجتمع، أي مجتمع، في حالة تشكل دائمة، لا يشبه اليوم ما كان عليه في الأمس، ولا تشبه صورته في الغد ما هي عليه اليوم.